محلي

الشهيد علي ناصر القردعي سيرة ملهم وتاريخ قائد شجاع !

.والشهيد الشيخ/ علي ناصر القردعي واحد من نماذجه التي حظيت باهتمامه ونقشت سيرته في صفحاته الأولى المعنية بتاريخ اليمن بخط مسندي وتمجيد سبئي حميري

الشهيد علي ناصر القردعي سيرة ملهم وتاريخ قائد شجاع !

يأبى التاريخ إلا الاعتراف بالأبطال، واقتصار التخليد على الشجعان، والفخر بسير الرجال الأفذاذ، والشهيد الشيخ/ علي ناصر القردعي واحد من نماذجه التي حظيت باهتمامه ونقشت سيرته في صفحاته الأولى المعنية بتاريخ اليمن بخط مسندي وتمجيد سبئي حميري مشرف .
كانت أرض العربية السعيدة تعيش تعاسة الاستبداد وبؤس الاستعمار ينخرها القهر والشقاء، لكنها رغم انكسارها ظلت حالمة بميلاد بطل يعيد لها اعتبارها ويبعث أملها ويدحض يأسها من الخلاص، بطل يولد من رحمها ويحمل همومها وأوجاعها، فهي الولادة بالقادة، الخصبة بالمخلصين، المعطاة بالنبلاء .
فعلى تخوم الجغرافيا السبئية وبمحاذة أعمدة بلقيس المنتصبة بالشموخ والمجد، تحديداً في حاضرة رحبة من ضواحي مأرب في منتصف العقد التاسع من القرن التاسع عشر كان ميلاد بطل شجاع، مرادي النسب، مأربي الجغرافيا، يماني الهوى، عروبي القومية، ذلك الميلاد الذي سيعيد للمكان رونقه وللزمان هيبته وأصالته، عاش الشبل المرادي حياة البداوة العربية الأصيلة، ذات الشكيمة والقوة، تصقله ببأسها وتهذبه بأخلاقها وتضفي له حب الأرض وتقديس إنسانها، ظل يقارع الضواري ويهيم في البراري حتى أشتد ساعده وقوت بنيته، ليتلمس بعدها مبادئ قبيلته وأخلاق عشيرته وأخوة شعبه من كرم وشجاعة ونصرة للمظلوم كأن التاريخ يهيئه لغد مستبسل لا يخطئه .
وحين آلت إليه زعامة قبيلته مراد إبان رحيل والده في نهاية الربع الأول من القرن العشرين تجسدت فيه معاني القيادة والبطولة، فلم يستسيغ الصمت والرضوخ وهو يرى الأرض والإنسان منكسرين على يد الإمامة والاستعمار؛ فنفض غبار الذل واختار عبور درب النضال، فقد عجنته الجغرافيا والتاريخ رجلاً ثائراً وقائداً مناضلاً وشاعراً بليغاً تردد أشعاره حتى اليوم كأن البطولة فصلت على مقاسه، واُختزلت في سلوكه ليشرع في إثبات سريانها في دمه؛ فكانت غيرته على أرضه وعرضه أكبر محرك لحياته، حيث كانت وثبته الأولى على بيحان وتحريرها من قبضة الإنجليز؛ فأثار بذلك سخط الإمام المهادن والمستعمر الغاضب، وأدت تلك الواقعة إلى سجنه في مخافر الإمام يحيى حميد الدين لكسره وثيقة تعهده بإخماد نيران القبائل عن محميات المستعمر .
مكث أربع سنوات معتقلاً وتمكن بعدها من الفرار، والبوح بعدائه للإمامة علناً وتأليب القبائل عليه، وكان الإمام يهادنه حيناً ويهاجم قبيلته حيناً آخر، لكنه منحه عفواً فعاد إلى صنعاء فأوعز إليه حينها بالإغارة على شبوة مع مجموعة من القبائل بنية الخلاص منه، بينما توهم القردعي أن الإمام قد عاد إلى رشده وعزم تحرير الأرض، تمكن القردعي من إسقاط شبوة والسيطرة عليها وكان فيها بعض أبنائها على رأس محميات تابعة للانجليز ليفاجأ بأمر الأمام يجبره بالانسحاب من شبوة، فأنشد يقول:
قدهم على شور من صنعاء إلى لندن
متخابرة كلهم سيد ونصراني
واتقسموا الأرض كل منهم وثن
فأرض اليمن كدروا عاقل وسلطاني.
تنديداً باكتشافه الحيلة التي ضيعت اليمن بين مستبد داخلي شمالاً ومستعمر خارجي جنوباً، كلاهما عدوان لعزيمته وهدفان لإرادته، فتواصلت غاراته المكثفة على المحميات حتى ضاق الإنجليز به ذرعاً، فكان الجنوبيون سنده وعونه، ونعم إخوانه ومناصروه، يحمونه من بطش الإمام ويقفون معه في إغاراته على المستعمر حد اختطاف طائراته وإقلاق سكينته، فرابطة الدم والأرض شيدها القردعي بعلاقته المتينة بأبناء الجنوب كأنتماء واحد وجذر أوحد، ولم تنقطع صلته بهم إلا حين عزم على إسقاط رأس الإمامة الأكبر يحيى حميد الدين، فنصب كميناً لموكبه في منطقة حزيز بأطراف صنعاء حتى أرداه صريعاً، بشجاعة قائد حمل هم وطن وأوجاع بلد منهك، ولم يخش عواقب فعله أو إزهاق روحه؛ فبعد إنجاز مهمته فر إلى جبال خولان مع نفر من صحبه لتعترض مسيرة نضاله خيانة عبيد الولاء للمستبد ودراهمه، فسقط مضرجاً بدمائه بعد نفاد مؤونته وصموده في نقم ومن ثم انسحابه إلى خولان شهيداً مقداماً وبطلاً مغواراً بعد مقتل الإمام بأسبوع في 17 فبراير من العام 1948، بعدما صنع تاريخاً فريداً للنضال والوطنية والإخلاص والولاء لقيم الحرية والكرامة .
يجمع المؤرخون أن قضاء الشهيد القردعي على رأس الإمامة كان سبباً جوهرياً في تعجيل زوالها، وتمهيداً لدحر الاستعمار، فقد تعاقبت الأحداث بعده بدءاً بالثورة الدستورية التي وئدت في المهد وصولاً إلى ثورة السادس والعشرين من العام 1962 في الشمال، وأعقبتها بعام ثورة الرابع من أكتوبر 1963 في الجنوب، بعد أن كانت الإمامة والاستعمار يساندان بعضهما البعض حسب ما تراءى ذلك للشهيد الشيخ/ على ناصر القردعي، وظل يناطحهما معاً من حين لأخر حتى آخر رمق من حياته.
وبعد مضي ثمانية عقود على استشهاد البطل القردعي ما زالت سيرة بطولته مثالاً حياً للوطنية والإخلاص، ونموذجاً حافلاً بالعطاء والإلهام، فيها الكثير من الحكم والعبر، والمحطات الزاخرة بالدروس عظيمة الأثر، فقد نقشها بأفعاله وأقواله، بنضاله وشعره بحكمته وحنكته، برباطة جأشه وبلاغة عباراته وزوامله، كسيرة ملهم وتاريخ قائد شجاع.
بقيت بطولة القردعي تتوالى في نسله وعشريته وقبيلته مراد على امتداد تاريخ الجمهورية ومحطات نضالها، فقد ثبت أبناؤه وأحفاده على دربه، سائرين على نهجه، وحاملين لواء عزيمته وإرادته، كحركة أحفاد القردعي التي يتزعمها الشيخ/ صادق القردعي التي تقف اليوم في صف الوطن والجمهورية، وتدعو الشعب اليمني للانقضاض على أزلام الإمامة الجدد الحوثيين، وتخليص اليمن من حقدهم الدفين وعدائهم لعزته وكرامته، وكل اليمنيين شمالاً وجنوباً يبجلون سيرة الشهيد البطل ويشعرون بالفخر والانتماء لمجده، والتباهي باسمه كقائد للأحرار وزعيم للثوار، واليمن أرضاً وإنساناً تتخذه جزءاً من هويتها وتاريخها ورمز بطولتها .